Sunday 13 October 2013

Pourquoi le Liban et certains pays arabes ne ratifient-ils pas la Convention de l’ONU de 2003 contre la corruption ?


Nota : Selon une enquête rendue publique mardi 9 juillet 2013 par l'ONG Transparency International, la corruption se serait aggravée dans les pays arabes depuis le déclenchement du Printemps arabe, début 2011. Et pourtant, la corruption et la personnalisation du pouvoir étaient parmi les causes à l’origine des révoltes arabes. Le phénomène mérite une analyse beaucoup plus approfondie sur les causes structurelles, administratives, sociales et juridiques à l’origine de la défaillance des pays arabes à ratifier la Convention de l’ONU de 2003 sur la corruption et sur les prétextes idéologiques des nouveaux courants islamiques prétendant que l’Islam strictement appliqué serait de nature à éviter les conflits d’intérêts et la corruption en raison d’une gouvernance sacrée. 

Ce discours idéologique et inopérant me rappelle celui qui était en vogue dans les années 70 quand le « bloc soviétique » refusait toute initiative internationale pour codifier un traité interdisant la corruption d’agents publics aussi nationaux qu’étrangers, sous prétexte que la corruption est inhérente uniquement aux sociétés « capitalistes ». Ce discours a été abandonné après l’éclatement de ce bloc. Il en est de même en Egypte où les événements du Caire et la chute du pouvoir des frères musulmans en 2013 seraient la preuve sur le caractère dérisoire d’une solution fondée sur le monopole d’un Parti politique religieux

Valeurs fondamentales Road Sign Juste avant verte avec nuages ??dramatiques, rayons du soleil et du ciel. Banque d'images - 12511029



L’article –ci-dessous que j’ai rédigé en arabe en 2004 après la signature de la convention de l’ONU sur la lutte contre la corruption procède à une analyse du droit libanais et du phénomène de la corruption arabe. Il a encore sa valeur d’actualité.

 




لماذا لا يصادق لبنان على اتفاقية الأمم المتحدة
بشأن الفساد ويستحدث هيئة مستقلة لمكافحته؟

      ما شهدتُ إجماعاً على لعن الفساد أكثر تناقضاً من إجماع اللبنانيين على لعنه قولاً والعجز عن مكافحته فعلاً... وما رأيت بلداً يجيد أهله سرد تفاصيل الفساد كما يجيد أهل بلادي الحديث عن فضائحه في مجالات الخدمات العامة أو الصفقات الخاصة حتى يعتري من يسمع رواياتهم عن الفساد المنسوب إلى "الكبار" وإلى "الصغار" شعور غريب بفساد الكل سواء أكانوا قد "فسدوا" أم "أُفسدوا"... غير أن هذا الاستنتاج الانطباعي عن فساد الكل الذي يخلص إليه الكثير من المواطنين الحائرين أمام أزمة بناء الدولة اللبنانية بعد الحرب الأهلية الهادنة، ليس إلا إحدى النتائج التي تسفر عن الفساد نفسه ولا سيما فقدان الثقة بالدولة نفسها وبكل المؤسسات العامة بحيث لا يبقى لضحايا هذه الحال سوى انتظار المخلّصين القادمين من الغيب (المسيح، المهدي... الخ) ليسلوا سيف العدل ويشطروا رؤوس الفاسدين أو المفسدين في الأرض...

      لا يعني ذلك أن ما تبقى من الصحافة الحرة لم يبذل جهداً لفتح الملفات المغلقة أو التساؤل عن "لفلفة" ما فُتح منها في هذا العقد السالف من زمن السلم الأهلي، أو أن السياسيين اللبنانيين قد خلوا، أسوة بالمثقفين والقانونيين، من تيارات جادة في التذمر من نتائج الفساد وديمومته في أجهزة الإدارة العامة. فأصل العجز في مكافحة الفساد كان موضعاً لكتابات جدية، آخرها، كتاب "خيارات للبنان"، حيث حاول فيه العديد من المثقفين من شتى الاختصاصات، أن يحللوا أسباب تعطيل آليات المساءلة والمحاسبة في الدولة وظاهرة غياب استقلالية القضاء ولا سيما الطائفية السياسية وشهوتها البنيوية للفساد عبر المحسوبية ودورها في اقتسام "جبنة" القطاع العام وإضعاف تقديم الخدمات العامة لجميع المواطنين(1). وباستثناء هذه الخصوصية اللبنانية، لم يقدم أحد منهم على الخلوص إلى خصوصية الفساد في لبنان كظاهرة، بل أكدوا على تناميها في إطارها الدولي وعلاقات لبنان التجارية والاقتصادية والسياسية مع جواره والعالم.

      بيد أن هذه المحاولات الجادة في التوعية والتحذير، وإن كانت مهمة في استنهاض الوقاية من الفساد على أمد بعيد، ليست قادرة على تحريك المجتمع المدني تحريكاً يمكنه من فرض خياراته الإصلاحية على المدى المتوسط ولا سيما أن المجتمع المدني اللبناني لا يزال ضحية التسيس الطائفي والتنازعات السياسية الآنية في ظرف انكفأت فيه الأحزاب السياسية إلى مواقعها الطائفية وغدت النقابات والجمعيات غير فاعلة في التأثير على اتخاذ القرارات السياسية والقانونية...


      هذا يعني أنه أمام العجز المؤقت للمجتمع المدني، لا بد من مبادرات سياسية تأسيسية قوامها الإجماع على أهمية مكافحة الفساد وفقاً لبرنامج تنامت ملامحه في تجارب دول كثيرة عانت أكثر مما عاناه لبنان من الفساد، ولا سيما هونغ كونغ ودول أوروبا الشرقية المنفلتة من السيطرة السوفييتية، وبعض دول أمريكا اللاتينية والافريقية... وهذا البرنامج موجود الآن في صفة قانونية ملزمة بعد مفاوضات دولية صعبة دامت أكثر من ثلاث سنوات في كنف الأمم المتحدة وأسفرت عن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي وُقعت في المؤتمر الدولي الذي عُقد في "مرندا"

(Mérinda)/المكسيك في 11/12/2003....

      لكن هذه الاتفاقية لم تدخل بعد حيز التنفيذ ولن تدخل إلا بعد أن يبلغ عدد البلدان التي صادقت عليها حدود 30 دولة... فلماذا لا يسارع لبنان إلى المصادقة عليها، أو على الأقل أن يتعهد رؤساء السلطات الثلاث (الجمهورية والوزارة ومجلس النواب) بالمصادقة عليها بعد تشكيل هيئة إعدادية وتحضيرية للتمهيد إلى تعديل القوانين التي لا تتناسب مع نصوص الاتفاقية؟

      ما كدت أطرح هذا السؤال على من تسنى لي النقاش معه بهذا الصدد، حتى فاجأتني ردود فعل متحفظة وإن كانت مجمعة على أهمية محاربة الفساد.

      تقوم هذه التحفظات الصادرة عموماً عن غير القانونيين، على أن أصحاب السلطة نفسها سيجهضون هذا المشروع لأنه ليس لهم مصلحة في تنفيذه وأن لبنان ليس بحاجة إلى قوانين حديثة لمكافحة الفساد، لأنها موجودة أصلاً، ويكفي تشكيل لجنة عدلية للتحقيق وملاحقة من اشتبه فيهم من المفسدين ولكن ذلك لم يحدث لأنه ليس هناك إرادة سياسية فعلية لا في لبنان ولا في المنطقة العربية...

      مهما كان مدى صحة بعض هذه الشكوك التي يقوم عليها هذا التحفظ فيما يتعلق بعدم تشكيل لجنة تحقيق عدلية على الأقل، فإنه لا يمكن أن يشكل حجة كافية لرفض المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة. إذ أنه هناك فارق كبير بين معالجة آنية لبعض الملفات والمعالجة الاستراتيجية التي لا تقوم إلا على إجماع وطني شامل وعلى ضغوطات دولية خارجية من قبل الهيئات المدعوة إلى مساعدة لبنان على الخروج من أزمته الاقتصادية (الأمم المتحدة، المجموعة الأوروبية، البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة الدولية، التوظيفات العربية في لبنان، المساعدات الأمريكية، الخ....).

      مما لا شك فيه أن الحلقة الضعيفة في هذه الضغوطات الخارجية هي مجموعة الدول العربية التي عجزت "جامعتها" الإقليمية عن التصدي لهذا الموضوع في حين أن المنظمات الإقليمية الأخرى كانت الرائدة في هذا المجال قبل ضلوع الأمم المتحدة بمشروع الاتفاقية الدولية التي استوحت كثيراً من الاتفاقيات الإقليمية التالية: اتفاقية منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي (OCDE) المبرمة في 21/11/1997 والاتفاقية الجنائية لمجلس أوروبا لمكافحة الفساد المبرمة بتاريخ 27/1/1999 واتفاقية منظمة الدول الأمريكية (اللاتينية) لعام 1996 والاتفاقية الإقليمية للوقاية وقمع الفساد التي اعتمدها رؤساء دول الاتحاد الافريقي بتاريخ 12/7/2003. غير أن غياب أي اتفاقية عربية بهذا الشأن لا يمكن أن يكون مبرراً لكي يتخلف لبنان عن المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة المفتوحة حالياً لكل الدول العربية التي تحدث باسمها ممثل سوريا خلال اجتماعات الدورة الخامسة للجنة المخصصة لمفاوضة الاتفاقية خلال عام 2003 في فيينا، حيث أكد على استعداد الدول العربية للقيام بدورها في التصديق على الاتفاقية وتطبيقها وشدد على أهمية بنودها بشأن استرداد الأموال الناتجة عن صفقات الفساد واستخدامها لمصلحة البلد الذي فقدها... وعلى هذا الصعيد لا غرم إذا بادر لبنان مع سوريا أو دعا كل منهما الآخر إلى المصادقة المتزامنة لهذه الاتفاقية نظراً لشدة الصلة بين الفساد اللبناني ونظيره السوري...

      انطلاقاً من هذا الإجماع السياسي المحلي والعربي سواء اللفظي أو الفعلي سوف تتزايد ضغوطات المجموعة الدولية التي تروّج لهذه الاتفاقية بحيث أن المساعدات المالية والاقتصادية التي يمكن أن تقدمها الهيئات الدولية للبنان ستكون مشروطة باستحداث منظومة فعالة وجدية لمحاربة الفساد... وهذا ما يقودني إلى تحديد ما جاءت به اتفاقية الأمم المتحدة من جديد في هذا المجال (أي استحداث نظام استراتيجي شامل لمكافحة الفساد) على الأقل على مستويين: مستوى التجريم والتعاضد الدولي لملاحقة ومحاكمة المتهمين بالفساد ومستوى الوقاية منه.

الجديد على صعيد تجريم أفعال الفساد


      كان منهج اللجنة المنوطة بإعداد اتفاقية مكافحة الفساد التي شُكلت في إطار مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بموجب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة لتحضير الاتفاقية منهجاً جيداً. فقد تفادت تضييع وقتها في تقديم تعريفات عامة للفساد، لأن الاعتبارات الفلسفية والسياسية والإدارية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية لا تزال متباينة بين الدول ولا سيما أن بعضها وضع فساد القطاع الخاص – وليس العام فقط – في إطار التشريعات الوطنية لمكافحة الفساد... لذا فقد سعت إلى تحديد وتعريف كل الأعمال الجرمية التي تمس بإدارة ونزاهة الإدارة العامة وعلاقاتها مع المواطنين... وعلى هذا الصعيد، يمكن القول أن القانون الجنائي اللبناني ولا سيما قانون العقوبات المبرم عام 1943 يتضمن بعض هذه الأفعال المعاقب عليها بموجب المواد 351، 352، 357 و 361، فضلاً عن أن قانون رقم 154 بتاريخ

27/12/1999 بشأن الإثراء غير المشروع قد أضاف بعض الأفعال الجرمية الواقعة في إطار المفهوم الواسع للفساد... إلا أن هذه المواد التي يمكن أن تكون فعّالة في إطار مكافحة "الفساد الصغير" (أي رشاوى الموظفين العموميين في بعض الدوائر أو الحصول على عمولات لا ينص عليها القانون كرسوم أميرية) غير كافية لمحاربة "الفساد الكبير" الذي تطورت أساليبه الحديثة ووسائله المحلية والدولية بفضل تطور التكنولوجيا وصورية الشركات التجارية وارتباطاتها الدولية والأساليب الكمبيوترية للمحاسبة، فضلاً عن استغلال السرية المصرفية لأغراض لم تكن من أصول تبنيها ولا من أهدافها... وعلى هذا الصعيد، ليس صحيحاً أن القانون الجنائي اللبناني لا يخلو من ثغرات قانونية. فهو يتسم بغياب تجريم غسل الأموال المتأتية عن الفساد (ما هو معاقب عليه هو غسل الأموال المتأتية عن المخدرات وليس عن أي جريمة أو جنحة) وغياب الجرائم المحاسبية وإساءة أمانة الشركات الخاصة التي تدفع الرشاوى من أصول الشركة نفسها... ولهذا فإن الاتفاقية تقدم لائحة من الأفعال الجرمية التي يتوجب علي أي هيئة لبنانية مكلفة بدراسة بنودها أن تأخذها بالاعتبار لتحديد الثغرات القانونية التي يجب تفاديها ضمن منظور تعديلي ردعي لا يشل تطور الأعمال... فمثلاً الاتفاقية لا تلزم أي دولة على أن تصدر قانوناً لتجريم الإثراء غير المشروع، وإنما تلزم بشكل إجباري على ضرورة تجريم رشوة الموظف العمومي المحلي أو الأجنبي. وهذه نقطة مهمة في محاربة الفساد اللبناني، لأن إدخال جرم رشوة الموظف العمومي الأجنبي – التي ستكون متزامنة مع ملاحقة هذا الجرم في بقية الدول بعد إدخاله في بعض التشريعات الأمريكية والأوروبية – سيكون من شأنه مكافحة الفساد "الكبير" فعلاً... فعندئذ، سوف لا يكون بإمكان شركة مقاولات فرنسية أو إيطالية أو أمريكية أن ترشي وزيراً أو موظفاً لبنانياً دون أن تتعرض هذه الشركات لملاحقات في بلدها أو في لبنان وبالعكس أيضاً (انظر المادة 16 من نص الاتفاقية)... وهذا تجريم جديد لم يسبق للأمم المتحدة أن أبرمت اتفاقية بشأنه – بالرغم من نجاح اتفاقية الجريمة المنظمة التي سبقت هذه الاتفاقية ونصت على مسؤولية الشركات الاعتبارية – والجديد أيضاً هو تجريم غسل أموال الفساد ومصادرة وحجز هذه الأموال بفضل تعاون قضائي دولي وشرطي أرسيت أساليبه وأدواته، مما يجعل الذين تخصصوا في عمليات الفساد عرضة لملاحقات ستجعلهم على الأقل يرفعون النسب المئوية لعمولاتهم غير المشروعة، إذا لم يرتدعوا فعلاً (انظر المواد 14 و 23 من نص الاتفاقية وكذلك المواد من 17 إلى 33 التي تشمل أفعالا جرمية أخرى وتنص على حماية الشهود والمبلغين)...

      ولكي يكون لهذه السياسة التجريمية مفعولاً رادعاً فعلياً، لا بد من استحداث هيئة عمومية تتضمن اختصاصيين في الجرائم المالية من رجال القضاء والشرطة والجمارك ولجنة الرقابة على المصارف والتفتيش المركزي وتتمتع بصلاحيات دراسة الوشايات والتحقيق بشأنها والحصول على البينات المثبتة لوجود أفعال فساد جرمية بحيث أن تتمكن في الواقع من إحالة نتيجة أعمالها إلى الهيئات المختصة (إما المدعي العام الذي لا يستطيع عندئذ أن يستنسب بسهولة عدم إحالة الملف إلى القضاء أو إصدار مذكرات التوقيف، وإما القضاء وفقاً للمراجعة الإصلاحية لدور النيابة العامة والمحافظة على استقلالية القضاء)...

      ولكن سياسة التجريم لها حدودها القانونية والجغرافية. ففي الماضي، لم يتراجع القضاء عن إصدار مذكرة توقيف بحق السيد تمرز بتهمة اختلاس أموال مصرف أنترا للاستثمار ولكن تسييس هذه القضية أدى إلى رفض بعض الدول التي كان يتواجد على أرضها ومنها الولايات المتحدة الأمريكية تسليمه إلى القضاء اللبناني بحجة ملاحقته بموجب مذكرة توقيف أخرى تلمح إلى نشاطه السياسي وكونه من الأقليات المضطهدة، وهذا ما أتاح له أن يحتمي بمفهوم الجريمة السياسية كاستثناء لاتفاقيات تسليم المجرمين... وإن كان ذلك من شأنه أن يدفع اللبنانيين إلى الاستفادة من تجاربهم وعدم تسييس الملاحقات القضائية، فإن الأساسي في موضوع الفساد هو أن التجريم وحده لا يكفي ولا بد من تزامنه مع سياسة وبرنامج شامل للوقاية منه... وهذا ما قدمته اتفاقية الأمم المتحدة من جديد أيضاً في هذا المجال...

الوقاية وموجباتها

      إن نص اتفاقية الأمم المتحدة على مواد تلزم الدول المصادقة عليها "بوضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة لمكافحة الفساد تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة" فضلاً عن ضرورة "إجراء تقييم دوري للنصوص القانونية والتدابير الإدارية ذات الصلة، بغية تقرير مدى كفايتها لمنع الفساد ومكافحته" (المادة الخامسة من الاتفاقية) هو منهج جديد في صياغة الاتفاقيات الدولية ذات الطابع الجنائي، لم يسبق لاتفاقيات الأمم المتحدة أن سلكته، إلا منذ إقرار اتفاقية الجريمة المنظمة العابرة للقارات...

      ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أوجبت الاتفاقية الدول على ضرورة استحداث هيئة مستقلة تتولى تنفيذ ما نصت عليه المادة الخامسة السالفة الذكر... وهذا يعني أن برنامج مكافحة الفساد يستلزم، بموجب الاتفاقية، أن يعاد النظر بتدابير غير جنائية أو تجريمية لكي يتوصل كل بلد، "وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامه القانوني والقضائي، إلى درء مخاطر الفساد في العلاقات الإدارية والمدنية والانتخابية بما في ذلك تمويل الأحزاب السياسية وتنظيم صفقات الأعمال العمومية للخدمات العامة وتعزيز البرامج التدريبية للموظفين العموميين المعنيين أو المتعرضين لأفعال الفساد الجرمية"...

      وهذا يعني، أن على لبنان كبلد مرشح للمصادقة على الاتفاقية، أن لا يحصر اختصاص أي هيئة عامة مكلفة بمعالجة هذا الأمر في مراجعة القوانين الجزائية فقط وإنما أيضاً في مراجعة القوانين الإدارية والمدنية... وهناك دول كلفت هذه الهيئة المستقلة بإجراء التقييم الدوري لكافة القوانين وفقاً لبرنامج قد يتطلب في لبنان فترة زمنية لا تقل عن خمس سنوات يُفترض خلالها أن تقوم لجان متفرعة عن الهيئة العامة (لجنة للقانون المدني ولجنة للقانون الإداري ولجنة للقانون الجنائي) بتعيين الثغرات الأساسية وطرح الحلول التي يتوجب أن تقنن لمكافحة الفساد (قواعد سلوك للوظيفة العامة، النظر في العقوبات المدنية الممكنة لإبطال العقود أو تحديد المسؤولية المدنية للشركات أو الأشخاص الضالعين في قضايا الفساد أو مخالفات لا ينص القانون الجزائي على معاقبتها جزائياً، الخ...) وبالإمكان أن تتحول هذه الهيئة المستقلة إلى هيئة نصح ومعونة للدوائر الإدارية والرسمية لكي تطبق سياسات معينة في مجال التوظيف العمومي (مسألة المحسوبية الطائفية يمكن أن تضرب من خلال إنعاش مؤسسات استحدثت في العهد الشهابي وضعفت بعد الحرب)...

      وهذا البرنامج لا يمكن أن ينجز بدون تعاون المجتمع المدني والقطاع الخاص، بما في ذلك القطاع المصرفي والتعليمي والتجاري (انظر المواد من 6 إلى 12 من الاتفاقية). وأهم مادة في الاتفاقية على هذا الصعيد، هي المادة 13 التي تلزم كل دولة على "اتخاذ إجراءات لتشجيع الأفراد والمجموعات التي لا تنتمي إلى القطاع العام، مثل المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي، على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته، ولإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر"...

      لذا فإن كل الذين حاولوا ويحاولوا في المجتمع المدني أن يدفعوا السلطات اللبنانية الحاكمة على اتخاذ تدابير فعالة بشأن الذين يشك بتورطهم في قضايا الفساد المحلية التي أثيرت خلال هذا العقد (قضية مصرف المدينة، الكهرباء، الهاتف الخلوي، الخ...) إلى التركيز على أهمية مصادقة لبنان على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد... لأن هذه الاتفاقية هي الجسر القانوني الذي يتيح لهم فعالية ضغطهم لتحويل النصوص القانونية الحالية والمستقبلية إلى آلية فعلية لملاحقة أفعال الفساد الجرمية وغير الجرمية وإلى زيادة الشفافية وبالتالي الديمقراطية في لبنان...

      فكل الاقتراحات التي تسنى لي الاطلاع عليها في هذا المجال، تدور، بعد دراسة بنيوية للنظام اللبناني، حول أهمية ترسيخ بذور الدولة الديمقراطية التي استوردت في خلال مرحلة الاستقلال من النموذج الفرنسي الدستوري... لذا فإن كل الدعوات إلى تعديل قانون الانتخابات وقانون الأحوال الشخصية والإدارة العامة وتوزيع الوظائف لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمحاربة الفساد على أمد طويل وكل ذلك يُشار إليه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في نصوص الاتفاقية التي إذا ما أُبرمت، ستكون إلزاماً باتخاذ التدابير الفعلية لمكافحة الفساد بالتعاون مع المجتمع المدني... هذا الإلزام يصبح حجة أقوى لأي حركة فعلية على مستوى السلطة أو المجتمع المدني لمعالجة آفة الفساد التي تتهدد وحدة مؤسسات الدولة وتستنبت العنف في المجتمع المدني الذي يعاني من نتائجها الاقتصادية والمالية فقراً وبطالة وزيادة في تكاليف المعيشة والخدمات، والتي تعطل بالتالي آفاق التنمية والتوظيفات الخارجية وتسترهن الوطن لأغنياء الفساد وتابعيهم من كافة الطوائف...

      ليس في لبنان أسلحة دمار شامل لكي تلزمه المجموعة الدولية على تدميرها بالمصادقة على الاتفاقية الدولية بهذا الشأن... ولكن الفساد قد يغدو، إذا ما تنامت شبكاته على هذا النحو الحالي، سلاح دمار شامل لمشروع بناء الدولة والمؤسسات العامة...

                                                                             
 الدكتور سهيل الزين

                     







(1)   انظر مقالة محمد فريد مطر عن الفساد وسبل معالجته بوصفه رئيساً لفرع جمعية الشفافية الدولية في لبنان، وهي امتداد محلي لحركة دولية غير حكومية لمكافحة الفساد في كل القارات... ومقالة أحمد بيضون عن الطائفية والإصلاح ومقالة سليمان تقي الدين عن استقلالية القضاء وفاديا كيوان عن اللامركزية ونواف سلام عن إصلاح النظام الانتخابي وتوفيق عسبار عن الأزمة الاقتصادية ودين الخزينة وسمير فرنجية عن الإطار العربي والسوري لعلاقات لبنان كدولة قيد البناء... انظر أيضاً مقالة هيام ملاط في الأوريون لوجور بتاريخ 20 يوليو/تموز 2004 عن الفساد وأهمية تحسبه...

No comments:

Post a Comment